التطريز

التطريز   embroidery    فن توشية النسيج وزخرفته بأشغال الإبرة. وهو حرفة قديمة جداً مارستها معظم الحضارات المعروفة.

لمحة تاريخية

سبق فنُّ التطريز فنَّ   الحياكة   بزمن طويل، ومارسته شعوب معظم الحضارات القديمة في المشرق وبلاد فارس وآسيا الوسطى والهند والصين واليونان والرومان ومهرت به. أما أقدم المطرزات التي حفظت حتى العصر الحاضر فقد عثر عليها في مقبرة توت عنخ آمون في مصر، وتعود إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد. وفي ظل الحضارة الإسلامية تفنن الطرازون في ابتكار أنواع مختلفة من المطرزات كانت تستعمل لتوشية الملابس والمفارش ومجالس الكبراء، وكانت دور الطراز مخصصة لتزيين ملابس الخلفاء والسلاطين والأمراء وفق نماذج محددة تناسب مقام من تهدى إليه، وتتدرج من    الدروع الداخلية البسيطة إلى الأثواب الفاخرة المطرزة بالذهب والفضة. وانتقل بعض تلك المطرزات إلى أوربة عن طريق البيع أو الهدايا فدخلت في ممتلكات رجال الكنيسة وبعض الملوك والنبلاء. وأشهر نموذج لهذه المطرزات الرداء الكنسي للقديس توماس بيكت   Thomas Becket    وهو رداء مطرز بالذهب يحمل صور حيوانات وكتابات تشير إلى أنه صنع في مدينة ألمرية الأندلسية سنة 1116م، وكذلك رداء التتويج الخاص بالملك روجار الثاني النرمندي في صقلية وعليه كتابة تشير إلى أنه صنع في دار الطراز في باليرمو سنة 1133م، والرداء الخاص بالملك وليم الثاني المصنوع في باليرمو أيضاً عام 1181م. و كانت بيزنطة مركز تبادل تجاري بين الشرق وأوربة، وتصدر إليها الثياب المطرزة الغنية بالزخارف، الأمر الذي حفز الحرفيين الأوربيين منذ العصور الوسطى إلى تطوير تقنيات خاصة بهم. وأشهر شاهد على فن التطريز الأوربي «طنفسة بايو»   Bayeux tapestry    التي صنعت في إنكلترة في القرن الحادي عشر تخليداً لذكرى الغزو النورماندي.

تطور فن التطريز الإسلامي في ظل السلطنة المملوكية والعثمانية وتنوعت أساليبه، وخاصة الملابس الرسمية المطرزة بخيوط الذهب والفضة التي كانت تعد لرجال الدولة بحسب مراتبهم، حتى غلب الأسلوب العثماني على معظم المطرزات الأخرى.

وفي إنكلترة بلغت أشغال الإبرة أوجها في القرنين الثالث والرابع عشر بانتشار «موضة» التطريز للثياب الكنسية ولرجال البلاط، وتفخر متاحف كثيرة بموجوداتها من مطرزات تلك القرون. وكانت أشغال الإبرة طوال تلك الحقبة حكراً على رهبان الأديرة و راهباتها وبيوت الطبقة الأرستقراطية. وفي عصر النهضة وبعده صار التطريز الريفي ينافس غيره في جماله وألوانه. وفي ظل أسرة بوربون في فرنسة ولاسيما في عهد الملك لويس الرابع عشر غدا فن التطريز حرفة يمارسها طرازون متخصصون مأجورون لتلبية متطلبات البلاط من أشغال الإبرة الأنيقة.

وفي المستعمرات الأمريكية كان التطريز مهنة شعبية تمارسها الفتيات والأطفال على نماذج معدة سلفاً تشتمل على أمثال شعبية أو أقوال مأثورة بين زخرفات متنوعة ويوقع عليها المطرز باسمه. واقتبست بعض النماذج من مطرزات الهنود الحمر السكان الأصليين التي اتسمت بالبساطة والتناظر في الأشكال الهندسية.

 

تقنيات التطريز اليدوي

1ـ التصميم واختيار الرسوم:   التطريز عمل تنفيذي أكثر منه إبداعاً، ينجزه المرء على أساس فهمه للنموذج أو التصميم الموجود بين يديه ولا يلتزم بالضرورة ما هو محدد في التصميم الأصلي، إذ يتوقف نجاحه على حسن اختيار المواد والألوان والتقنيات التي سيستعملها الطرّاز وبراعته في التنفيذ. وثمة نماذج زخرفية تقليدية تتناقلها الأجيال في كثير من المجتمعات وخاصة الريفية منها، حتى غدت لصيقة بها وتنسب إليها. ومنذ القرن السادس عشر فما بعد بدأت تظهر تصميمات للتطريز أعدها فنانون محترفون لاستعمال الهواة، وتباع في الأسواق مطبوعة في كراسات متخصصة أو على القماش نفسه أو على ورق أو نسيج خاص يدعى «نسيج الظهارة» يثبت على خلفية القماش المراد تطريزه ثم ينسل المطرز خيوطه بعد التنفيذ من دون أن يؤثر ذلك على نوعية العمل.

2ـ المواد:   ينفذ التطريز عادة على أنسجة رقيقة أو ثخينة من القطن أو الحرير أو الكتان أو   الصوف   أو القماش الشبكي المفرغ (الكنفا)، وقد ينفذ على الجلد وعلى الورق كذلك. عند تطريز قطع صغيرة من النسيج يمسك القماش بإطار من حلقتين متراكبتين تدعيان «طارة التطريز » . أما   الخيوط   المستعملة في التطريز فمنوعة، وأكثرها من القطن أو الحرير أو   الصوف   أو الكتان، وكذلك خيوط الذهب والفضة وما شاكلها من خيوط معدنية ويسمونها خيوط القصب. وقد تستعمل في التطريز مواد أخرى إضافية كالخرز والبرّاق والصدف , والزجاج والأحجار الكريمة. وتختلف إبر التطريز في أحجامها وأشكالها بحسب القماش والخيط المستعمل.

3ـ غرز التطريز:   تستعمل في التطريز أنواع مختلفة من الغرزات   stitches  ، و أوسعها انتشاراً غرزة الساق المعروفة عند الطرازين باسمها الفرنسي «التيج»   stem  ، وغرزة الأطلس (الساتان)   satin  ، والعروة أو المفرغة   buttonhole  ، والسلسلة   chained  ، والعقدة   knotted  ، والمتصالبة   crossed  ، والغرزة الإكليلية أو الكشكش   feston  ، والغرزة اللؤلؤية   marguerite  . أما التطريز على الكنفا  فغالباً ما تستعمل فيه غرزة تسمى «غرزة البطانية أو الخيمة» tent stitch ، وتستعمل في التطريز الناعم الشبيه ب السجاد أو   الحياكة   غرزة تدعى «البزرة أو النقطة الصغيرة»   petit point  . وهناك نوع آخر من التطريز يدعى «الأبليكة»   applique    وفيها تخاط قطع موشاة جاهزة أو تلصق فوق النسيج المراد تطريزه. وقد يستعمل البريم والضفائر والشرائط الملونة المخيطة على أطراف القماش أو في وسطه بأشكال الزهور أو أشكال هندسية منوعة تثبت بغرزة تدعى «اللفقة » . يضاف إلى ما سبق التطريز المثقب أو المفرغ أو «السويسري»   eyelet embroidery والمخرم (الآجور   ajoure  ) ، ويطبق على نسيج خفيف تحدث فيه بترتيب جميل عيون صغيرة محددة الأطراف بخيوط التطريز.

مكانة التطريز في العصر الحاضر

بعد اختراع آلات التطريز، وأولها عام 1829، تراجع فن أشغال الإبرة تدريجياً. غير أن فن التطريز ما يزال شائعاً، هواية وحرفة وصناعة، يمارسه في كل بلاد العالم عمال متخصصون أو هواة، ويتوارثه الأبناء عن الآباء والأمهات، وقد تعنى مؤسسات وحكومات كثيرة بنشره ووضع مناهج تعليمية له. وصار للآلة ووسائل التقانة الحديثة أثر مهم في تطوير أعمال التطريز وإنتاج المطرزات بأنواعها. وتشتهر اليوم بصفة خاصة المطرزات الحديثة التي تنتج يدويا أو صناعيا في الهند والصين وفي سورية ولبنان ومصر، ولاسيما مطرزات «الصرمة» المذهبة على قماش المخمل والمطرزات الحريرية للمفارش والستائر ومطرزات «الأغباني » ، وكثير منها ينتج في معامل التطريز المؤتمتة. وغالباً ما تزود ماكينات الخياطة المنزلية اليوم بملحقات تصلح لتنفيذ غرزات التطريز التي كانت تتم يدويًا. غير أن التطريز اليدوي ما يزال يحتفظ بمكانته فناً جميلاً وهواية محببة لكثير من الناس. وتعد المطرزات اليدوية أجملها وأغلاها ثمناً.


المصدر : الموسوعة العربية

 

المجموعة البحثية في تراث الثقافة الجمالية للمرأه الاردنية
مجموعة التدريب في مجالات الصناعات الثقافية
حوارات الثراث والجمال